© Youssef ElBeshlawy

حَظْر

شاطئ مفتوح، رماله ناعمة. شمس ساطعة وهواءٌ متوسطيٌّ عليل. كلٌ يضم ركبتيه إلى صدره ويتوه في امتداد البحر، مستأنساً بوجود الآخر، بوجوده المحب، وجوده الأسيل. يحملان عِبء الكتمان الذي طال، والتخفي الذي استهلك إيمانهما بالسعادة. هل من فرجٍ قريب؟ هل من صحوة للضمير وشيكة؟ هل من أمل…

ربما مصيرهما أن يعيشا تعيسَين، أن يكونا جزءاً نبيلاً من ذاكرة الألم لهذه الأرض.

لكن العمر لحظة… لحظة تستحق كل ما سبق، وكل ما لحق. وقد تكون الآن، هذه اللحظة. إذن فلا وقت للشجن والتأمل اليائس، لا وقت للندب والأسف. هذا وقت الحب. أخيراً ظفرا ببعضهما… أفلتا من مخالبهم الغاشمة، من عيونهم المفترسة، من قلوبهم الموقورة. أخيراً لاذا ببعضهما.

نظرة عرفان، فإغداق من حنان، فقبلة ملتهبة… فيها علقم المعاناة، ورحيق الشغف…

يتناسيان ما تكبّداه من ظلم ماضٍ، ويستغرقان في حاضرهما. بعد القبلة المديدة، عناقٌ مشتاق ولهان… انصهار دافئ يذيب أحزانهما، فيحيلها صبابةً فوق الصبابة. ثم استلقاء مطمئن، في حضن بعضهما. كأن الحضن حصن منيع، يستعصي على أعتاهم بلوغه.

كأن الحضن بدايةٌ ونهاية، لجوءٌ وهروب، حَجٌّ وكُفر.

في الأفق لا يعرف البحر النهايات. موجه هادئ لطيف على هذه الضفة. يلف الجبل المُخضرّ من خلفهما فيحتضنه في تواطؤٍ رائق. وفي السماء سحب متناهية الصغر، تسبح في زُرْقة صافية. مُلوحة البحر تبخّر الهواء، وتنعش رئتَيهما. بلثمةٍ في العنق، يدب المرح بينهما، فتتوالى اللمسات اللعوبة حتى يتمرغا قيد خطوتين على الرمال وينتهيا فوق بعضهما، متلاحمَين. ابتسامة عريضة، وعيونٌ مبتهجة تخشى فناء اللحظة، فيُطَعِّمانها ببَوسات كأنها الأولى، كأنها الأخيرة.

ما أجمل الحب في وضح النهار…

بعد نوبة من الحب السخيّ، يفوقان من سكرهما، في شبع لذيذ. يتمددان على الرمال جنباً إلى جنب، متشابكي اليد والروح. بعد وهلة، يقومان دون أن ينفضا الرمال الشاحبة من على جسديهما. نظرات هم، وتفهم عاشق…

يُـعَشِّقَ يدَه بيد صاحـبـه ويمشيان بحذا الشاطئ، في حرية لن تدوم… فقد أوشك ميعاد العودة، إلى حيث يُحظر الحب.